اسمعوني وافهموني، فأنا موجودة

بالطّبع كل الفعاليّات كان لها أثر بشكل أو بآخر، وعند محاولة الاختيار لفعاليّة واحدة كان الأمر صعباً واحتاج منّي الكثير من التّأمل.بعدها فكّرت أنّه ربّما كان اللّقاء الأكثر تأثيراً على الطّالبة وكان نقطة تحوّل لها في سلوكها وفي علاقتها معي وكان أيضاً تحوّلٍ لي حتّى في تغيير خطّة التّدخل، وتعاطفت معها بشكل كبير كان في أول جلسة تعبير عن المشاعر، تحت عنوان "أنا ومن حولي". حيث عرفت تفاصيل كثيرة عن علاقة الطّالبة بأهلها، زميلاتها ومعلّماتها. ومن هنا عرفت السبب الرئيسي لكل المشاكل الّتي استرعت انتباهي وجعلت تصرّفات الطّالبة تكون بهذه الطّريقة وبالتّالي أثّرت على تحصيلها الدّراسيّ. من هذه الجلسة عرفت علاقة الطّالبة بأهلها، رفضها لهم، شعورها بالغربة والاختلاف عن زميلاتها، حيث لكلّ طالبة أب يحتضنها وأمّ تحتويها وأخوة يحبّونها، هكذا ترى الطّالبة كل من حولها وترى بأنّ حياتها هي الوحيدة المليئة بالمشاكل. في هذه الجلسة أيضاً عرفت من الطّالبة كرهها لمعلماتها حيث صرّحت بأنها تكرههنّ جميعهنّ باستثنائي أنا ومديرة المدرسة والمرشدة التّربويّة، كانت تتمنى لو أنّ واحدة منّا هي والدتها الحقيقيّة. من هنا أيضاّ كان واضحاً سبب عدوانيتها، ضربها لزميلاتها، رفضها للحصص وللدّراسة. ومن خلال باقي الجلسات كان الاكتئاب أيضاً من أهم العوارض الّتي كانت تتضّح من كلامها وتعبيراتها، فهي تشعر بأن جميع من حولها يكرهونها، ولديها خوف بأنّهم جميعاً سيتركونها يوماً ما. قد يكون هذا أيضاً أحد أسباب رفضها للآخرين، فهي تخاف أن يتركها من يحبونها كما يجدث معها في البيت. لذا أعتقد بأنّ هذه الفعاليّة كانت الأكثر تأثيراً، فقد استطعت تشخيص المشكلة وتحديدها، تحديد آليّة وخطّة التدخل، والحصول على ثقة الطّالبة من ما أعطاني لاحقاً القدرة على التأثير على سلوكياتها والارتقاء بمستواها الأكاديميّ.

- العائق الأكبر لديّ كان هو المعلّمات اللّاتي يتتعامل معهنّ هذه الطّالبة، من خلال عملي معها اكتشفت أنّه من السّهل التّأثير على الأطفال في حال اكتسبت ثقتهم وتغيير سلوكهم، لكن للأسف فمن الصّعب التأثير على شخص كبير سنّاً، فبالرّغم من اجتماعي معهنّ أكثر من مرة وحصولي على وعود بالتّغيير لكن للأسف ذلك لم يكن ممكناً. تبقى المعلّمة عصبيّة، تعاقب، تصرخ، تهدّد وغير ذلك. - أمّا التّحدّي الّذي واجهته فهو مشكلة الوقت ولكن بالرّغم من ذلك فقد كان هناك تغيير كبير في الحالة بالرّغم من أنّ خطّة التّدخّل كانت قصيرة.

مع انهاء خطّة العمل مع الطّالبة المستهدفة والّتي كان الهدف من العمل معها الارتقاء بمستواها التّعليمي من خلال العمل على فهم وتحسين وضعها الاجتماعي والنّفسي شعرت بالّنجاح والفخر في عدّة مواضع. بدايةً وعندما اتّجهت لي الطّالبة قائلةً: "مس في الك اليوم مفاجأة"، وعندما دخلت الصّف وجدت قالباً من الكيك، صف مزيّن، بلالين، وكلمة I Love You مكتوبة على اللّوح. وعندها قالت لي الطّالبة: ”شكراً يا مس، إنتي الوحيدة اللّي قدرتي تحليلي مشاكلي“. وكان النّجاح كذلك جليّاً من تصرفات الطّالبة، فها هي قد عَدَلَت عن فكرة الانتحار وبدأت ترى بأن هناك في الحياة أمور جميلة وأشخاص نحبّهم ويحبوننا. بدأت تلعب مع زميلاتها في الصّف، تندمج مع المعلّمات في الحصص وتحاول أن تتفهم معلّماتها ونحتويهم على حد تعبيرها. إضافةً لذلك فالنّجاح لم يقتصر على المدرسة فحسب، بل وقد انعكس على البيت، وكان ذلك واضحاً حينما قامت وليّة الأمر بشكري هاتفيّاً على جهودي مع الطّالبة وأخبرتني بأنها لمست تحسناً ملحوظاً على سلوك ونفسيّة الطّالبة في البيت وعلى حبّها للدّراسة. هذا كلّه كان له تأثير على تحصيل الطّالبة الأكاديمي، حيث كان هناك تطوّر في اتجاهاتها نحو التّعلم، حبّها للمواد، رضاها عن ذاتها وعلى سلوكها بالحصص ومع المعلّمات. هذا أيضاً أثّر على علاماتها الّتي بدأت بالتّحسن والارتفاع. كما وأنّني شعرت بالنّجاح مع طالبات أخريات من الصّف ذاته، رأيتهنّ وهن يقمن بفعاليّات جماعية والابتسامة على وجوههنّ. حضور الأهالي بعدد كبير في يوم فعالية الأسرة "أنا وأسرتي" حيث حرصت كل طالبة على دعوة أي فرد مقرّب لها من أسرتها (والدتها، والدها، خالتها، جدّتها) وذلك على حدّ قولهم "لأنّه ورقة الفعاليّة مكتوب عليها اسم مس ديانة البنات ما قبلوا ما نشارك وإحنا كمان حبّينا نشارك لأنّه كنّا عارفين أكيد حتكون فعاليّات حلوة". وبافعل بعد كل فعاليّة جاءتني ردود فعل إيجابيّة من العديد من الطّالبات ومن الأهل شاكرين لي تأثيري الإيجابي على بناتهنّ ممّا أدّى إلى زيادة حبهنّ وانتمائهنّ للمدرسة وارتفاع تحصيلهنّ الدّراسيّ. أمّا الجانب الّذي لم أتوقعه ولم يكن في خطّتي فهو تأثير المبادرة الخارجيّ، حيث سعدت برؤية بعض الفعاليّات الّتي قمت بتطبيقها وقد اقتبست وطبّقت في مدارس أخرى، فإن دلّ ذلك على شيء، دلّ على نجاح هذه الفعاليات وأثرها الإيجابيّ الملموس من قِبَل الجميع.

مستقبلاً يجب العمل على تجهيز وتدريب وتوضيح موجز عن الحالة للمعلّمات مع مراعاة خصوصيتها، وإعطاءهم نبذة عن خطة العمل قبل البدء بخطّة التدخل وأن يكون ذلك باجتماع بحضور الادارة وأحد أفراد المؤسسة حتى يكون هناك تعاون أكبر من المعلّمات الأخريات. حيث أنّني أعتقد أنّ المعلّمات قد يشعرن بأهميّة التّعاون بشكل أكبر حين يشعرن برسميّة الموضوع وبأنّه ليس فقط مبادرة لمعلّمة وستمضي. فبالرّغم من أنّني قمت بذلك أثناء العمل إلّا أنّ التغيّر بسلوك الكعلّمات كان آنيّاً أحياناً أو غير ملحوظ أحياناً أخرى.